عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2022, 05:07 PM   #87
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 353
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام :

" وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ {75}."

واليقين ينقسم إلى ثلاث مراحل :

يقين بعلم من تثق فيه .. ويقين بعين ما تخبر به .. ثم يقين بحقيقة ما تخبر به ..

فاليقين هنا بمراحله الثلاث قد دخل نفس إبراهيم ورسخ فيها ..

وتمضي الآيات تقول :

" فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً {76}. " سورة الأنعام.

كلمة " جَنَّ " تفيد الستر والتغطية .. ولذلك فإن الجنون ستر للعقل .. " جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ". بمعنى أظلم وستر ما حولك .. فغيرك لا يراك وأنت لا ترى غيرك .. والجنة سميت بهذا الاسم .. لأن فيها أشجاراً تستر من يمشي فيها .. أما كلمة " كَوْكَباً " فمعناها أنه يأخذ ضوءه من مصدر آخر .. ولقد أتى الله بهذا المثل .. لأنهم في وقت إبراهيم عليه السلام كانوا يعبدون القمر والنجوم والشمس والأصنام .

" قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ {76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ {77}." سورة الأنعام.

إن الذي قال عن إبراهيم إنه قال :

" هَـذَا رَبِّي "

هو الذي قال :

" وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {37}". سورة النجم .

وهو الذي قال :

" وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ {124}." سورة البقرة.

إذن .. فقوله ( هذا ربي ) لا تخدش وفائه الإيماني .. ولكن لابد أن لها معنى آخر .. ذلك أن القوم كانوا يعبدون الكواكب والشمس والقمر .. ويريد إبراهيم أن يلفتهم إلى فساد العقيدة ولكن يلفتهم بأدب النبوة .. وليس بالشتائم ولا بالسب .. فلو أن إبراهيم من أول الأمر قال لهم : يا كذابون .. يا أهل الضلال .. وظل يوجه لهم السباب لما اهتموا به ولا سمعوا له .. لكن إبراهيم عليه السلام استخدم ما يسمى في الجدل بـ " مجاراة الخصم " ليستميل آذانهم ويأخذ قلوبهم معه .. وليعلموا أنه غير متحامل عليهم من أول الأمر فيأخذ بأيديهم معه ..

مثال على ذلك في حياتنا ..

تجد رجلا له ابنة جاء لها خطيب .. وهذا الخطيب قصير جداً .. بيمنا البنت _ ما شاء الله _ طويلة .. وحين جاء الخطيب ليراها وتراه تقول لأمها : هذا خطيبي ؟!

وهذا القول يعني أنها تنكر أن يكون هذا القصير عنها هو خطيبها .. وحين قال إبراهيم ( هذا ربي ) معناه إنكار أن يكون مثل هذا الكوكب أو ذلك القمر أو تلك الشمس هي الرب .

ولذلك فإن هذا الأسلوب يقتضي أن يذكر الشيء وفيه نقص والناس لا تلتفت إليه ولكن سياق الحركة يدل عليه ..

فكأن إبراهيم يقول هذا ربي يبدي استنكاره أن يكون هذا الكوكب حين إلهاً .. وهو يتهكم على الذين يعبدونه ..

والدليل ... هو سياق الحوار حين يقول :

" فَلَمَّا أَفَلَ ".

وأفول النجم والقمر وغروب الشمس .. أمور قد شهدها إبراهيم قبل ذلك مئات المرات .. فلا يمكن أن يكون (( قد فوجئ بأن النجم قد أفل )) .. أو أن الشمس قد غابت ولكنه كان يعلم ذلك جيداً ..

وينهي إبراهيم قوله لقومه بعد أن رأى النجوم والقمر والشمس تغيب أو تأفل ..

" يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ {78}." سورة الأنعام

فلماذا قال إبراهيم إني بريء مما تشركون ؟

ولم يقل لهم كونا جميعاً برآء مما تشركون .. لأن طبيعة المنذر أو المبشر أو المبلغ أو الرسول أن يحمل نفسه أولا على الأمر قبل أن يحمل مخاطبيه .. وألا يأمرهم بأمر يخالفه هو .. ذلك لأن الإنسان إذا غش الناس فإنه لا يغش نفسه .. والبراءة من الشرك هي التخلي عن المفسد أو الانقطاع عن العمل المفسد والدخول في العمل الصالح ..

وهكذا يثبت لهم أن كل كوكب _ حتى الشمس _ مصيره إلى أفول .. فكأنه قد وصل بهم بالمنطق إلى أن عبادة الكواكب لا تصلح .. واستخدم المنطق الذي يحقق نيته في أن ينكر هذه الربوبية .. ويستأنس به آذان من يسمعه ..

أما قول إبراهيم عليه السلام :

" إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {79}." سورة الأنعام

فمعنى ذلك أنني توجهت لله الإله الحقيقي لهذا الكون الذي خلق السموات والأرض .. ولكن لماذا استخدم إبراهيم عليه الصلاة والسلام السموات والأرض كمظهر للكون ؟

ولم يقل مثلا إني توجهت للذي خلق النجوم والكواكب والشمس والقمر ..

أولاً : لأن هذا التعبير أعم ..

ثانياً : لأنه ظاهر للناس جميعاً لا يحتاج إلى دليل ..

ثالثاً : لأنه لا أحد من البشر منذ بدء الخليقة حتى الآن زعم أنه هو الذي خلق السموات والأرض ..

رابعاً : لأن خلق السموات والأرض يشعر بالقدرة الخارقة للإله الذي خلق هذا كله .. وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى :

" لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {57}." سورة غافر.

وحين أعلن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين للناس أن ما يعبدون هو مجرد إفك .. وأن ما اتخذوه آلهة لا ينفع ولا يضر ولا يخلق شيئاً .. بل هو مخلوق أو مما صنعته أيديهم هل اقتنع القوم بذلك ؟ بل أخذتهم العزة بالإثم

يقول الله في سورة الأنعام:

" وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ {80}. "


وللحديث بقية ..

أخوكم : الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس