بسم الله الرحمن الرحيم
شك التلاميذ في روايات القيامة والظهور ..
تمتلى روايات الأناجيل عن القيامة والظهور بالكثير من المآخذ والثغرات التي يستطيع القارئ أن يتلمسها بنفسه بمجرد المطالعة ومقارنة المواقف المتشابهة في الأناجيل المختلفة ..
وتكفي هذه المآخذ والثغرات لرفض ما تقوله تلك الروايات عن قيامة المسيح وظهوره .. وكيف لا ترفض وقد رفضها كاتب إنجيل مرقس الأصلي فأسقطها من حسابه وأنهى الإنجيل عند (16: 8) كما سبق بيانه .. كذلك رفضها تلاميذ المسيح وشكوا فيها ذلك الشك المريب الذي سجلته الأناجيل - لقد شك التلاميذ جميعاً فيما روته مريم المجدلية ومن معها من النسوة عن قيامة المسيح من الأموات فحين :
" رجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن ..
فقام بطرس وركض إلى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجباً في نفسه مما كان "
*** هكذا كان موقف تلاميذ المسيح من روايات القيامة .. وهم الذين التصقوا به منذ اختارهم حتى رحل عنهم .. وكان على رأسهم بطرس وفيهم يوحنا .. وهم الذين تلقوا تعاليمه ووعوها قبل أن تظهر بينهم مريم المجدلية وبعد أن ظهرت ..
ولكن أناجيل مرقس ومتى ولوقا تذكر لنا حديثاً جرى بين المسيح وتلاميذه .. تنبا فيه بقتله ثم قيامته من الأموات .. فهي تقول :
" ابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ( المسيح) ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم {{ وقال القول علانية }} .. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره فالتفت وأبصر تلاميذه ، فانتهر بطرس قائلا اذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن للناس " ( مرقس 8: 31-33 ) ، ( متى 16 :21-23) ، ( لوقا 29: 22) ..
إن رواية الحوار بين المسيح وتلاميذه على هذه الصورة تعني أن قيامة المسيح من الأموات أصبحت أمراً مفروغاً منه .. مثلها مثل قتله .. ذلك أن الأناجيل تذكر أن المسيح {{ قال القول علانية }} ..
*** فإذا وجدنا بعد ذلك أن روايات القيامة التي جاءت بها مريم المجدلية كانت بالنسبة لبطرس - رئيس التلاميذ والذي سبق أن راجع المسيح في أمرها - ولرفاقه كلاماً كالهذيان لا يمكن تصديقه .. فإن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها هي :
إن ذلك الحوار الذي قيل إنه جرى بين المسيح وتلاميذه .. والذي تنبأ فيه بقتله ثم قيامته لم يحدث على الإطلاق ..
وإن ما نجده عن ذلك الحوار في الأناجيل .. لا يعدو أن يكون إضافات أدخلت إليها فيما بعد ..
إن هذا ما ينطق به إنجيل يوحنا حين يقرر أن فكرة القيامة كانت غريبة تماماً عن التلاميذ الذين فوجئوا برواية مريم المجدلية .. فحين ذهبت هذه واخبرت بطرس ويوحنا .. فإنهما تسابقا إلى القبر:
" فحينئذ دخل أيضا التلميذ الآخر الذي جاء أولا إلى القبر ورأي فآمن .. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات فمضى التلميذان ( بطرس وبوحنا) أيضاً إلى موضعهما " ( يوحنا 20: 8-10 ) ..
*** كيف يتفق قول يوحنا هذا عن تلاميذ المسيح أنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات - مع ذلك القول والحوار الطويل
الذي جرى بين المسيح وتلاميذه وعرفهم فيه بقيامته من الأموات .. وهو الحوار الذي ذكرته أناجيل : مرقس ومتى ولوقا ...؟
كذلك شك التلاميذ فيما روته مريم المجدلية وغيرها عن ظهور المسيح .. فحين ذهبت مريم وأخبرت التلاميذ ..
" لما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته .. لم يصدقوا " ..
وكذلك كان الحال مع الاثنين اللذين قيل إنه ظهر لهما .. إذ لما ذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين " ..
ويسجل متى شك التلاميذ في ذلك الذي قيل إنه المسيح الذي صاحبوه من قبل فيقول :
" أما الأحد عشر تلميذاً ـ لما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا "
وكذلك يقول لوقا عن التلاميذ :
" أنهم جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً " ..
ويسجل يوحنا شك توما بصورة تقطع بأن فكرة القيامة لا علاقة لها البتة برسالة المسيح وتعاليمه .. فهو يقول :
" أما توما أحد الاثني عشر .. فلم يكن معهم حين جاء يسوع فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب . فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير .. وأضع أصبعي في جنبه لا أومن " ..
لقد ربطت المسيحية التقليدية ـ مسيحية بولس الصليبية - نفسها بالقول بأنها تقوم على أحداث تاريخية - مثل القول بقتل المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث - بحيث لو تعذر إثبات وقوعها .. ما كان للمسيحية من برهان يدعمها .. كما أنه لو أمكن إثبات عدم حدوثها لانهارت العقيدة التقليدية من أساسها ولم يبق منها شيء ..
وفي هذا يقرر علماؤها بأنه جرى التوكيد دائماً على أن المسيحية تعتبرعقيدة تاريخية بمفهوم قلما تناظرها فيه أي من العقائد الأخرى .. ذلك أنها إما أن تظل قائمة أو تنهار .. بناء على حقيقة ما كان من أحداث معينة .. جرى الزعم بأنها وقعت خلال فترة زمنية محددة تقدر بثمان وأربعين ساعة في فلسطين منذ ألفي عام تقريباً ..
.
وهنا يثور سؤال : من أي الوجوه – إذن ـ تكون العقيدة المسيحية عرضة للسقوط تاريخياً ؟
ولكن إذا نظرنا إلى السؤال بعين فاحصة .. لوجب علينا الاعتراف بأنه لا يمكن إثبات أن المعتقدات التي تقوم على الأمور التاريخية يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة .. وبتعبير أدق .. فإن تلك المعتقدات لا تملك أكثر من درجة عالية جداً من الاحتمال والترجيح .. ( من كتاب اعتراضات على العقيدة المسيحية ص 58، 64-65)
إن كل من لم يبصر في مسيحية المسيح الحقة الفاضلة .. سوى الصلب والقيامة قد جعلها تحت رحمة التاريخ .. وإذا رجعنا إلى ما يسعفنا به التاريخ في روايات الصلب والقيامة والظهور .. لوجدناه في غير صالح ذلك المفهوم الذي لم ير بولس شيئاً غيره في المسيحية التي جال يدعو لها حتى جعل لها السيادة .. وأعني بها مسيحية الصليب ..
لكن العلماء يقررون - حقاً ـ أن تلك المعتقدات التي تقوم على الأمورالتاريخية لا يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة ..
*** وهل تبني العقائد - أيها الناس - على الظن والاحتمال والترجيح ؟
وللحديث بقية ..
اخوكم / الاثرم
|